كيف أن المسبب له هو عبارة عن فيروسة تنتقل عن طريق الجنس بالغالبية العظمى من الحالات و تنتمي هذه الفيروسة إلى عائلة البابيلومافيروس
Papillomavirus HPV
تتميز هذه العائلة بوجود عدة أصناف من الفيروس يعطى لكل منها رقم.
أثبتت الأبحاث الوبائية بأن البابيلومافيروس من صنف 16 و 18 مسئولة عن ما يقدّر بـ 70% من حالات سرطان عنق الرحم.
بدأت برامج التحري عن هذا المرض في البلدان المتطورة بالانتشار منذ عام 1950. و كانت هذه البرامج تعتمد على اللطاخة التي يأخذها الطبيب النسائي من عنق الرحم و التي يدرسها المشرح المرضي بتقنية بابانيكولا بحثا عن التبدلات المورفولوجية بخلايا عنق الرحم. سنفرد لهذا التحري موضوعا خاصا.
سمحت هذه البرامج الواسعة بالبلاد النامية بإنقاص معدل حصول سرطان عنق الرحم بـ 70%. و حولت هذا المرض القاتل إلى مرض نادر.
و لكن و على الرغم من الجهود الكبيرة المبذولة لنشر الوعي الصحي لم تتمكن السلطات الصحية من القضاء على المرض.
و تقطن المشكلة الكبرى في البلاد النامية التي ما تزال تعاني من معدل متصاعد لانتشار هذا المرض الذي ينتقل بشكل خاص عن طريق الممارسة الجنسية.
تشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية بأن أكثر من ثلثي الحالات التي صرح عنها تقع بالبلاد النامية. و عندما نأخذ بعين الاعتبار ضعف الإجراءات الإحصائية بهذه البلاد نستطيع أن نستنتج عمق المشكلة.
أسباب فشل برامج التحري عن المرض تكمن بما يلي:
ـ لعدم تمكنه من تغطية أكبر عدد ممكن من النساء اللواتي يتعرضن لهذا الفيروس.
ـ لتراخي عدد من النساء عن المثابرة المنتظمة على أجراء اللطاخة.
ـ لعدم حساسية التحري باللطاخة. ففضلا عن كون حساسيتها باكتشاف المرض غير كافية. قد يتم أجراءها على أيدي قليلة الخبرة.
ـ فشل الخطة العلاجية بالقضاء على المرض رغم التحري عنه. أذ لوحظ أن 5% من حالات السرطان حدثت عند سيدات مع لطاخة مرضية. و لكن العلاج كان غير ملائم.
و لهذه الأسباب جميعها بدا واضحا أن منع العدوى بالفيروس قد يلعب دورا كبيراَ بالقضاء على المرض أو على الأقل تحديد انتشاره.
مشوار اللقاح ضد سرطان الرحم بدأ بالسبعينات. و ذلك عندما تم التأكد من أن السبب المسرطن لعنق الرحم هو فيروس البابيلوما.
الخطوات التالية التي ميزت السنوات العشرة الأخيرة، كانت استعمال التحري عن الفيروس بنفسه بدل التحري عن نتائجه بواسطة اللطاخة. هذه الخطوة أعطت لبرامج التحري عن المرض دفعة جديدة و حسنت من مردوده.
و لكن فكرة البحث عن لقاح يقضي على الفيروسة كما هي حال مرض شلل الأطفال و الحصبة و التهاب الكبد و غيرها من الأمراض الفيروسية حرّكت عدة فرق من الباحثين.
و بهذا الشكل شهدت الأشهر المنصرمة ولادة أول لقاح ضد مرض سرطاني.
المصاعب التي واجهت الباحثين من أجل تطوير اللقاح:
ـ على مدى 20 عاما تم التأكد من الرابط الوثيق بين سرطان عنق الرحم و البابيلوما فيروس.
و أمكن العثور على ما يقارب 15 صنف من هذا الفيروس ثبت مسؤوليتهم عن 99% من حالات سرطان عنق الرحم.
بـ 50 إلى 60% من الحالات تم العثور على الفيروس 16 و 10. و بـ 20% من الحالات كان الأمر يعود إلى الفيروس 18. و لهذا تم انتقاء هذين الفيروسين من بين البقية.
ـ عدم سلامة اللقاح الحاوي على فيروس حي مضعف كما هي حالة العديد من اللقاحات المضادة للفيروس. إذ أن لمورثات الفيروس دور مسرطن لا يمكن إهماله. و بالتالي لا يصح حقنه إلى أشخاص أصحاء.
ـ كون الفيروس لا يتكاثر سوى ضمن الخلايا. فرض صعوبات أخرى لتصنيع هذا اللقاح.
تبدّى الحل مع تطور طرق تجميع البروتينات المشاركة ببناء هيكل الفيروس. و هو ما يسمى L1 و بهذا الشكل أمكن تصنيع فيروسات كاذبة سميت Virus Like Particule VLP تشابه هذه الفيروسات الكاذبة ببنائها فيروس الـ HPV ولكنها لا تحوي على البناء الوراثي للفيروس المسئول عن تكاثره و عن تسبيبه للسرطان. و لدى حقنها إلى الجسم تحضه على تصنيع أجسام مضادة للفيروس البابيلوما، تقوم بدورها بصد هجمات الفيروس الحقيقي.
و فوق ذلك، تمكن الباحثين من إضافة مركب آخر ذو مقدرة على تحريض جهاز المناعة من أجل تصنيع أكبر عدد ممكن من مضادات الأجسام التي ستكافح الفيروس.
تم تجريب اللقاح الحاوي على البناء الكاذب للفيروس 16 و 18 على عدة فتيات لم يتعرضن بعد للفيروس، و لم يبدأن بعد أي نشاط جنسي. لوحظ بعد 7 أشهر من هذا اللقاح أن معدل الأجسام المضادة أكبر بـ 100 مرة ما يمكن أن يسببه المرض الحقيقي.
كما تم التأكد من أنه ذو احتمال جيد و لم يسبب حتى اليوم أي أعراض جانبية تذكر.
تمت تجربة هذا اللقاح على ما يناهز الـ 40000 شخص قبل وضعه بالأسواق التجارية من قبل شركتين
Merck (Gardisil*)
GSK (Cervarix)
مما سمح من التأكد من فعاليته بمنع تطور أي أفة قبل سرطانية لدى حقن الفيروس الحقيقي.
آلية عمل اللقاح
يعتقد أن حماية اللقاح ترتبط بمضادات الأجسام التي يصنّعها الجسم و القادرة على تعطيل الفيروس الحقيقي. هذه المضادات الحامية تتوضع على مخاط العنق مثل سجادة تغطي سطح هذا العنق و تحميه ضد الهجوم فيروسي ضمن الظروف الاعتيادية للعدوى، و يبقى مقبولاً أن الذاكرة المناعية للقاح غير كافية و معدل الأجسام المضادة ضعيف. و بالتالية فأن الحماية من الاعتداء الفيروسي أقل من باقي اللقاحات.
و يقدر مصنعي اللقاح بأن ما يقارب الـ 20% من من الفيروسات يمكنها أن تخترق السجادة الواقية و تصل إلى الطبقة الأساسية من البشرة المغطية لعنق الرحم و يمكنها أن تبقى بها.
بدا بشكل واضح أن اللقاح يزيد من المقدرة المناعية على سطح عنق الرحم بشكل ملموس. ويمكن للأشخاص الذين تعرضوا بالسابق إلى الفيروس الذي بقي بشكل صامت، يمكن لهؤلاء الأشخاص أن يستفيدوا من اللقاح الذي سيساعدهم على التخلص من الفيروس.
و ما تزال الدراسات جارية للتأكد من فوائد اللقاح عند الأشخاص المصابين بالفيروس و عند من تزيد أعمارهن عن 25 سنة.
و مع ظهر اللقاح بالأسواق، لم يعتمد كعلاج لمن سبق له الإصابة بالبابيلوما فيروس.
بشكل أجمالي يقدر بأن هذا اللقاح يمكنه أن يقي من العدوى بـ 75% من حالات التعرض إلى البابيلوما فيروس.
و ما تزال العديد من الأسئلة معلقة حول المدة التي تطول بها حماية اللقاح، إذ أن المعلومات لم تجنى بعد سوى خلال 5 سنوات من المتابعة. و لم يتم التأكد بعد من دور هذه الحماية أثناء الدورة الطمثية.
على الرغم من هذه التحفظات، تتوقع الأوساط العلمية بأن إدخال هذا اللقاح بالبلاد المتطورة قد يرى مفعوله على فترة قصيرة و يتوقعون إنقاص عدد اللطاخات الغير طبيعية و الآفات قبل سرطانية خلال السنوات الخمسة القادمة.
و لا بد أن تلاحظ السلطات الصحية التوفير الذي يمكن أن تجنيه بفضل إنقاص عدد اللطاخات المرضية و ما تجره من فحوصات متممة مكلفة. فضلا عن حالة القلق التي يولدها إعلان اللطاخة المرضية أو الآفة الما قبل سرطانية.
تبقى النتائج مرجوة على المدى البعيد نظرا لطول الفترة الفاصلة بين التعرض للفيروس و بين ظهور السرطان.
كما يأملون بأن تكون فائدة اللقاح كبيرة في البلدان النامية التي لا تستفيد من برامج التحري عن سرطان عنق الرحم، إذ يتوقعون إنقاص عدد حالات هذا السرطان إلى النصف أن تم تطبيق برامج التلقيح في هذه البلدان النامية خلال السنوات العشرين القادمة.
نجاح هذا اللقاح يعتمد على استعماله الواسع. و بشكل خاص من قبل الفتيات قبل بدأ أي نشاط جنسي. و تبقى مقدرته محدودة من أجل الوقاية الفردية.
و حتى يظهره أثره على الصحة العامة يجب أن تزيد تغطيته عن 70% من السكان.
و هو بجميع الأحوال لا يغني عن التحري الكلاسيكي عن سرطان عنق الرحم الذي يجب أن يستمر و يتعمم، و يبقى اللقاح بالوقت الحالي كصمام أمان أضافي من أجل محاربة هذا المرض.
ترافق اللقاح مع اللطاخة قد يسمح بالتقليل من عدد االطاخات التي يمكن أن تتباعد لكل 3 إلى 5 سنوات. و يمكن تأجل أول لطاخة إلى ما بعد عمر الـ 30سنة.
لم تدرس فعالية اللقاح عند الأشخاص من الجنس المذكر.
طرق الاستعمال
ينصح بإعطاء جرعة عن طريق حقنة عضلية، تليها الجرعة الثانية بعد شهرين و الثالثة بعد 6 اشهر.
لا ينصح بإعطاء اللقاح قبل سن الـ 9 سنوات لعدم توفر المعطيات الكافية.