المقدمة
أراء طبية حرة
شعر
قصة قصيرة، حكايات طبية
أقلام حرة
أسئلة متنوعة و متكررة
في رثاء الراحلين
حقوق الانسان بالاسلام
فن و موسيقا
منوعات
روائع نزار قباني
رياضة الغولف Golf
من التراث العربي
قصص من تراث اللاذقية
مخطط الموقع
باب قصص من تراث اللاذقية - الصفحة (8) - كل ما لا علاقة له بالطب - منوعات
يوم روت مياه نبع ديفة اللاذقية
نعمان صاري
يوم روت مياه نبع ديفة اللاذقية (حكايات لاذقانية11) لسنوات طويلة وحتى عشرينيات القرن الماضي كان أهل اللاذقية يعتمدون على الآبار، أو الجباب حسب تعبيرهم، لتأمين حاجتهم من المياه . ولأن المدينة قريبة من البحر وبسبب نوعية التربة والصخر أحيانا فلم تكن كل الآبار عذبة صالحة للشرب وعليه فقد كان ثمة أبار ذات مياه عذبة موزعة في أنحاء المدينة كآبار عامة متاحة للجميع لتأمين حاجتهم من المياه العذبة، وكان لهذه الآبار أسماء تعرف بها فجب القش كان يتوسط حيي العوينة والقلعة وجب البريد لمنطقة الكاملية وماجاورها ، وجب القيق شمال حي الشيخضاهر. وغير ذلك من آبار عذبة يعتمد عليها الناس لتأمين حاجتهم من المياه العذبة. ولأن المياه تنقل من تلك الآبار إلى البيوت بشكل يومي تقريبا فقد كانت مهنة السقائين مهنة رائجة حينها إذ كان هؤلاء يبدؤون يومهم باكرا حاملين القرب الجلدية الداكنة التي يعلقونها على طرفي عصا غليظة تستند على الكتفين مسرعين بين الأزقة لتأمين المياه للبيوت لقاء أجر معلوم. أما المياه للاستعمالات الأخرى كالنظافة وغسل الثياب وغير ذلك فقد كانت تؤمن من الآبار الأقل عذوبة أو ما يطلق عليه ( ماء بيس ) أي ظاهر الملوحة وكانت تلك الآبار متواجدة في كل البيوت تقريبا أو تشترك في الجب الواحد منها مجموعة من تلك البيوت الحجرية. وكان الجب من لزوميات الفسحة السماوية التي لا يخلو منها بيت متجاورا مع أشجار التين واللوز والمشمش والنخيل وغير ذلك من أشجار كانت تؤمن الظل لساكني تلك البيوت ناهيك عن ثمرها في موسمه وملاذا لأنواع الطيور قبل أن تتابع مسيرها جنوبا مع أولى نسمات أواخر الخريف الباردة. وإضافة لتلك الآبار فقد انتشرت بوقت متأخر عملية جمع مياه الأمطار من خلال صهريج أو (صيريج) حسب اللفظ اللاذقاني، وكانت تلك الصهاريج تبنى من حجر ثم تطين من الداخل بخليط طيني عازل لحد ما لتمتلئ شتاءً بمياه مطر اللاذقية الذي كان غزيرا ولتكون في أيام الصيف الحارة مصدرا لمياه عذبة تغني عن خدمة السقائين بدرجة أو أخرى. لم تكن الحمامات قد وجدت طريقها للبيوت حينها، بل كان على الناس أن ينظموا زياراتهم الأسبوعية إلى الحمام العام، أو حمام السوق كما أطلق عليه لاحقا لتميزه عن الحمامات الخاصة بعد أن بدأت تعرف طريقها إلى البيوت وبشكل خجول بداية. وكانت الآبار التي يركب عليها ناعورة لرفع ودفع المياه من لزوميات الحمامات العامة إذ كان الحمام الجديد مثلا يتغذى يالمياه من ناعورة الجامع الذي يحمل نفس الاسم، حيث بني كل من الجامع والحمام المسمى كل منهما بالجديد بفترة واحدة. وكان ثمة أدوات مصنوعة من الصلصال أو الفخّار إذا شئتم مرتبطة باستعمالات المياه. فالمشربية لري العطش من خلال الفتحة الصغيرة المائلة على جنبها والأبريق المشابه لها. ولكن بحجم أكبر لإغراض النظافة والوضوء والجرة ذات اليدين المعقودتين على الخصر لإغراض الطبخ بل ووسيلة بدائية لتبريد المياه، ثم ( الخابة ) ذات الغطاء الخشبي هي الوعاء الذي يفرغ فيه (السقا ) قربه الجلدية الداكنة لتكون خزان أهل البيت من مياههم العذبة في مطلع العشرينيات استيقظ اللاذقانيون على خبر مفاجئ، مياه نبع ديفة ستصل إلى مدينتهم عبر أنابيب وأن المياه ستكون بمتناول يدهم كل حين. لم يستوعبوا الأمر بداية، هل سيتخلون عن آبارهم التي تعايشوا معها لسنوات طوال، ثم كيف سيتم جر المياه كل تلك المسافة التي هي بعرفهم وقتها مسافة طويلة دونما (قرب) محمولة على عصي السقائين الثخينة المستندة على الكتفين ... أسئلة واستفسارات ... لم يطل الأمر بهم ، في أواسط عام 1923 كانت أنابيب مياه ديفة قد وصلت المدينة ، بداية لم تعرف طريقها إلى البيوت بل إلى (حنفيات عامة ) توضعت في ساحات الأحياء استعاض بها الناس عن آبار المياه العذبة وتحولت مهنة السقائين لنقل المياه من تلك الحنفيات إلى البيوت. وكانت الصنابير المركبة سوداء ذات ذراع يتم ضغطه إلى الأسفل لتتدفق المياه عند كل حركة ضغط ، وقد بقي واحدة من تلك الصنابير لعهد متأخر متوضعة قرب بناء رابطة المحاربين اليوم. تباعا بدأ إدخال مواسير المياه إلى البيوت ، تراجع دور السقائين، أهملت الآبار ثم طمرت، صار حمام السوق تراثا شعبيا ونزهة بعد أن أصبحت الحمامات المنزلية من أساسيات البيوت بل صار البيت الواحد يحوي حمامين وربما ثلاثة، تضاعفت استعمالات المياه من خلال الغسالات والجلايات وغير ذلك، تغيرت الدنيا كدأبها بكل حين وأوان. يوم عمت مياه ديفة المدينة انتشرت أغنية شعبية بين أوساط النساء الفرحات اللائي أزاح توفر المياه عبئا ثقيلا عنهن في الطبخ والغسيل ونظافة البيوت، تقول كلمات الأغنية : نادوا الصبايا واجمعوا الصبيان .... والمي (الماء) جريت بكل الطرقان . كان باب الأيام يغلق مع تلك الأغنية عقد العشرينيات من القرن الماضي . _________________________ نعمان صاري 16/7/2014
الحقوق محفوظة طبيب الوب 2014 ©
http://tabib-web.eu - http://www.tabib-web.eu