المقدمة
أراء طبية حرة
شعر
قصة قصيرة، حكايات طبية
أقلام حرة
أسئلة متنوعة و متكررة
في رثاء الراحلين
حقوق الانسان بالاسلام
فن و موسيقا
منوعات
روائع نزار قباني
رياضة الغولف Golf
من التراث العربي
قصص من تراث اللاذقية
مخطط الموقع
باب قصة قصيرة، حكايات طبية - الصفحة (8) - كل ما لا علاقة له بالطب - منوعات
بضائع الحمقى
د. عمر فوزي نجاري
بضائع الحمقى لابد أن أتحدث وأُحدّث حتى أقتل الملل.... قالها وهو ينظر إليٌ بعينين ثاقبتين.. اعتدل في جلسته.. تنحنح قليلا.. كان صدره يعلو ويهبط، وكانت أصوات تنفسه مسموعة عن بعد.. مزيجا من الصفير والخراخر.. يتحدث قليلا، يشعر بالتعب.. يتنحنح.. يرتاح.. ثم يبصق جانباً.. ثم يتابع حديثه. كان تاريخا بحد ذاته. تجاوز الثمانين من عمره، أنهكته المحن والخطوب وعركته التجارب والسنون. ولم يترك الزمن له من طاقاته سوى لسان يتكلم به ليحدّث الأحفاد ذكريات الطفولة والجهاد. حدثني كثيراً عن البطولات التي شارك بها... عن فرسه الأشقر رفيق دربه في معاركه التي خاضها ضد الفرنسيين... وكيف حصل عليها بطريقة المقايضة، مقابل كل ما يملكه من أشجار الزيتون أعطاها لشقيقه الأصغر صاحب الفرس الأشقر بعد طول جدال بينهما، فالشقيق الأصغر كان يفضل طريق الجهاد بالقلم والكلمة، أمّا هو فقد اتخذ قراره بسلوك طريق الجهاد المسلح لتحرير الأرض والإنسان. حدثني عن لباس المجاهدين، عن السروال الأبيض والقميص الأبيض، فالبياض كما خبره المجاهدون يُلقي في قلوب العدو الرعب والذعر ويثبت قلوب المجاهدين، ويبعث فيها الطمأنينة والراحة والأمان.. إنّه الكفن الجاهز للشهيد المقاتل. أمٌا عشيقته الخنساء - بندقيته - فكانت رفيقة دربه في السراء والضراء. اسماها الخنساء تيمنا بالخنساء زوج الشهيد وأم الشهداء الأربعة عساه يكون شهيدها السادس. استوقفته عن الحديث قليلا كي يستعيد أنفاسه، ثم أدرت دفة الحديث قائلا: لقد ذكرتني أيٌها الشيخ المجاهد بمقولة للفيلسوف الفرنسي الشهير جان جاك روسو تردد صداها في كل مكان: ( ولد الإنسان حرا ومع ذلك فهو مقيد بالأغلال في كل مكان ). فالإنسان أينما كان شمالا أو جنوبا، شرقا أو غربا، يعاني وإن اختلفت أشكال المعاناة... فالفقر والبؤس والحروب في جانب والخواء الروحي والفراغ النفسي في جانب آخر .. إنٌها سنة الحياة . تابع الشيخ حديثه وهو يحدٌق فيٌ بنظرات متفحصة: إنٌ بعضهم ليتخبط ولا يدري لنفسه شاطئا يرسو عليه.. يبدو أنٌك كبقية أبناء جيلك لم تع هذه الحقيقة بعد، بل غابت شمسها عن عيونكم وراء سحب الأحداث وغيومها.. جيلكم الذي ضاع في متاهات بحثه عن السعادة. التي وجدها في تقليده الأعمى لعادات وتقاليد أقوام ما فتئوا يدبرون لنا المكائد والفتن. إنٌ الزمن الذي نحياه يا بني زمن كثرت فيه الذئاب التي تود الفتك بجسد هذه الأمة ووحدتها والنيل من تاريخها وحضارتها. كان صوته ينساب في وداعة وقوة. وكانت كلماته تأسر سامعيها بسحرها فينبض القلب معها وينفتح لها الوجدان وتذوب لأجلها الأكباد. إنٌه لزمن صعب تمر به الأمة. أشهر وسنوات عجاف طال جثومها واشتد غموضها وازداد معها تمزقنا وتفرقنا، وبقينا لا ندري كيف ندرأ عن أمتنا هول الدمار ولا كيف نصل بها إلى بر الأمان. إيه بني..قد نقبل التواكل في أمور كثيرة ولكننا لا نستطيع أن نتجاهل عن أمر يهدد وجودنا وكرامتنا وشرفنا وأجيالنا.. أمٌا إذا استمر تعلقنا بالأماني واستغراقنا في الأحلام الوردية، فإنٌ الأماني هي بضائع الحمقى وأحلامنا ستكون جريمة بحق أبنائنا وإخوتنا وأمتنا .. كان حديث الشيخ المجاهد صفعة قوية على خدي كادت تحيله إلى شفق أحمر.، لم أتجرأ بعدها النظر في عينيه. أمٌا هو فقد استرسل في حديثه قائلا: إنٌ القلب لينزف من جرح دفين، وإنٌ الدمع ليتصلب في الأحداق، إنهم يصمٌون آذانهم عن كل شيء ويوصدون عيونهم عن كل شيء.. بنيٌ في المقبرة لن تجد سوى أجسادا وبقايا من البشر ممددة في مقابرها تحت وهج الشمس وزمهرير الشتاء .. واستمر يتحدث ويتحدث ويحدٌث حتى يقتل الملل ... أمٌا أنا فقد تسمرت في مكاني، وجف حلقي، ولم أعد قادرا على ابتلاع ريقي . _________________________ فهرس مواضيع الدكتور عمر فوزي نجاري
الحقوق محفوظة طبيب الوب 2014 ©
http://tabib-web.eu - http://www.tabib-web.eu