المقدمة
أراء طبية حرة
شعر
قصة قصيرة، حكايات طبية
أقلام حرة
أسئلة متنوعة و متكررة
في رثاء الراحلين
حقوق الانسان بالاسلام
فن و موسيقا
روائع نزار قباني
رياضة الغولف Golf
من التراث العربي
قصص من تراث اللاذقية
مخطط الموقع
باب قصة قصيرة، حكايات طبية - الصفحة (8) - كل ما لا علاقة له بالطب - منوعات
(كرم) الخليجي
د. عمر فوزي نجاري
قصة قصيرة بقلم د عمر فوزي نجاري (كرم) الخليجي أراني هنا وأنا أتحدث عن براءة الطفولة متمثلة بـ ( كرم ) وأبناء خالته الثلاثة، ولن ألصق بهم ما ليس فيهم، أو أن أتحدث عن شيء لم يفعلوه...!. اعتادت أمه أن تأتي به إليٌ شهريا، إمٌا لأجل الفحص الدوري الروتيني أو لمتابعة برنامج لقاحاته، وعلى الرغم من صغر سنه فهو لم يتجاوز الشهر العاشر من عمره بعد، إلاٌ أنٌه كان على درجة من الذكاء تأهبه للربط بين زيارته لعيادتي وحقنه عضليا بجرعة من اللقاح، بل كان قادرا على الربط بين شخصي وبين الألم الناجم عن حقنه باللقاح لدرجة أصبحت رؤيته لي - حتى خارج العيادة - مقترنة بالخوف والهلع الشديدين وما يرافقهما من صراخ وعويل!.. لقد أصبح لديه مخزونا من الخوف يفوق ما تحتويه مياه المحيطات من أسماك وكائنات!... شعره الأسود المسترسل ووجهه البيضاوي المتطاول وكرشه البارز ككرة قدم، وقد أخذ فمه وضعية الفتح دائما...ونظراته المتأرجحة هنا وهناك معبرة عن الشك العميق في كل ما يحيط به...اشتهر بين أبناء خالته بلقب (الخليجي ) رغم أنٌه لا يمت إلى الخليج وأهله بصلة لا من قريب ولا من بعيد، وقد غلب عليه لقبه هذا لدرجة نسي معها الجميع اسمه الحقيقي(كرم)!.. يتقافز الأطفال جميعا حول خالهم حتى لتظنهم كتاكيت خرجت لتوها من قشرتها الكلسية البيضاء.. -عمو..عمو..عفوا..خالو قالها أنس بلكنة خاصة..ثم أردف قائلا: -أنا أنس اللندني..من لندن..أنا أحب لندن..وأحب الأكل الباكستاني والأكل الهندي .. * وإذا كان أنس قد تذوق نكهة الأطعمة الهندية والباكستانية والتي يغلب عليها طعم التوابل والبهارات، وذلك من خلال احتكاكه مع جيرانهم الهنود والباكستانيين أثناء إقامتهم في دولة الإمارات العربية المتحدة، فإنٌه ولاشك لا يعرف شيئا عن لندن ولا أين تقع ولا حتى ما إذا كانت لندن مدينة أو قرية أو حتى دولة..! وكل ما يعرفه عنها هو اسمها فقط الذي سمعه من أحد رفقائه في الصف... - عمو...عمو...عفوا.خالو... أنا علاء الإماراتي..أنا أحب الأمارات لأنني عشت فيها ولي فيها أصدقاء ورفاق مدرسة..إنهٌم كثر يا خالو وأنا أحبهم.. أحمد سالم..ومحمد راشد..وهمام.. هذا ما قاله علاء وهو يلتف على خاله ويعانقه كما يعانق نبات الليف الشجرة التي احتضنته!. - رويدك يا علاء انتظر قليلا ريثما يكمل أخوك أنس كلامه ولا تزاحمه على الكلام .. - خالو.. خالو.. أنا دانة. وتبدأ دانة في التمرغ في حضن خالها بدلال وغنج زائدين، وقد انصهرت طفولتها ببراءة وادعة زيّنها صمتها الملائكي وندرة كلامها وابتسامتها الجميلة التي تفتح مغاليق القلوب كما تفتح أنسام الربيع الندية براعم الزهر.. أطفال صغار لا يفرقون بين الواقع والخيال، جاءوا من الأمارات بعد غياب طويل لقضاء إجازة الصيف ولقاء ابن خالتهم (كرم)، كرم الذي تجاوز مرحلة الحبو منذ أيام قلائل ليبدأ خطواته الأولى في الحياة دون مساعدة.. يترنح أحيانا ويتمايل أحيانا أخرى، والابتسامة تعلو محياه ولسانه يتلوى خارج فمه ذات اليمين وذات الشمال لاعقا لعابه وما يسيل من فتحتي أنفه.. وأمٌا نظراته المتأملة فإنٌها تحمل مع بريقها علامة استفهام كبرى..لماذا أطلق عليه لقب الخليجي؟!. هو نفسه لا يدري..وكل ما يعرفه عن هذا اللقب هو أنٌه ألصق به منذ أيام قلائل فقط.. أي منذ مجيء أبناء خالته من الأمارات!.. ما علاقة مجيئهم من الأمارات بلقبه الجديد؟!..لغز يحتاج إلى مزيد من التفكير كي تحل طلاسمه؟!. إنٌ رعاية الأطفال والاهتمام بهم لا تعني مطلقا أن نجبرهم على تناول وجبات الطعام بشكل قسري أو أن نفتح أفواههم لنملأها طعاما ثم نقوم بالضغط على الطعام الموجود في الفم كي ينزل إلى المعدة؟!. هم ليسوا أكياس خيش تملأ بثمار الزيتون انتظارا لمرحلة العصر والحصول على الزيت المبارك... ولا أن ندخلهم إلى الحمٌام لغسل أجسامهم كاملة مع كل أذان ومع كل كلمة الله أكبر.. إنٌها حالة أبناء خالة كرم.. وكرم شاهد حي على ذلك، إذ كثيرا ما كان يتلصص بعينين واسعتين على أبناء خالته عندما يحين موعد وجبات طعامهم، إذ يجد في مراقبتهم أثناء إطعامهم متعة تضفي على نفسه المرحة كثيرا من المرح والحبور، وغالبا ما يصغي بإمعان إلى صوت خالته وهي تصرخ بصوت عال: علاء افتح فمك...قلت لك افتح فمك وإلاٌ!!. وأنت يا أنس ابلع اللقمة بسرعة قبل أن أصفعك على وجهك... ويزدرد الأطفال طعامهم في جو من الخوف والإرهاب المترافق مع الصراخ والعويل والبكاء... أصوات ومناكدات تستمر لمدة تربو على الساعة إلى أن تفرغ صحون السفرة وتمتلئ معدات الأطفال وربما بطونهم أيضا بمختلف أصناف الطعام حتى ليفيض بعضه من أفواههم وربما من أنوفهم أحيانا وقد جحظت أعينهم وتسمرت نظراتهم وانتفخت أوداجهم...! ومع كل ذلك تستمر ثرثرة أنس لتصم آذان الجميع وتصيبهم بالصداع بما فيهم كرم صاحب الرأس الخالي من المشاكل إذ سرعان ما تجده يعدو متعثرا مبتعدا عن ثرثرة أنس وبكاء دانة وأحاديث علاء.. الحقوا (كرم) الخليجي إنٌه يهرب خارجا من الغرفة... ويتراكض الجميع خلف كرم، لينتهي المشهد وقد احتضنت أم كرم ابنها وكأنٌ الزمان استدار فجأة وكذا المكان ... لقد حان وقت وجبة عشاء كرم، وهاهي أمه تضع له قليلا من الأرز الممزوج مع اللبن.. وجبة شهية ولا داعي للصراخ ولا الإطعام القسري، فكرم طفل يعرف مصلحته ويحب بطنه، وهو قادر على ازدراد وجبته خلال فترة قصيرة ولا داعي لاستعمال الملعقة فهو يعتمد على يديه في تناول طعامه، شأنه في ذلك شأن عرب الخليج عندما يجتمعون على المناسف.. أثناء تناوله للطعام كانت هنالك ستة عيون تراقب حركات يديه وفمه.. وما هي إلاٌ دقائق معدودة حتى بدأ أبناء خالته بالتهكم منه ومناداته بلقبه الجديد (الخليجي) .. (كرم) الخليجي يأكل بيديه كأطفال الخليج..؟!. توقف كرم عن الطعام ليلتقط أنفاسه وقد امتلأ فمه بالطعام ثم جعل يجرجر قدميه خائبا وقد انقلبت شفتاه وانكمشت عيناه وبدأ الدمع يترقرق فيهما ألما وغيظا!.. _________________________ فهرس مواضيع الدكتور عمر فوزي نجاري
الحقوق محفوظة طبيب الوب 2014 ©
http://tabib-web.eu - http://www.tabib-web.eu