المقدمة
مستجدات طبية
الحمل و مشاكل الولادة
صحة عامة
الأمراض النسائية
أمراض الأطفال
ألية الوظيفة الجنسية و تطورها
مشاكل جنسية ـ رجال
مشاكل جنسية ـ نساء
مواضيع للأطباء و طلاب الطب
مشاكل نفسية جنسية
أقلام حرة
الولادة
موانع الحمل
علم السموم
مخطط الموقع
باب أقلام حرة - الصفحة (2) - للأطباء و طلاب الطب - صفحة أختصاصية
الجامعة والبحث العلمي . أين نحن ؟ وكيف الخروج من المستنقع ؟
الأستاذ الدكتور صادق فرعون
الجامعة والبحث العلمي . أين نحن ؟ وكيف الخروج من المستنقع ؟ د. صادق فرعون : على صفحات "تشرين" التي أقرأها يوميا تطالعنا كلمات تتحدث عن الجامعة وعن البحث العلمي، وأغلبها يتطرق لناحية معينة ويشير إلى بعض النقائص هنا وهناك وغالبا ما ينتهي بطمأنة القارئ إلى أن الوضع ليس سيئا وأن المسئولين هنا وهناك آخذون بمعالجة الوضع . الحقيقة مؤلمة ومرّة في معظم الأحيان وتحتاج إلى قدر كبير من الصراحة والجرأة . من البديهي أن أؤكد للقراء وللمسئولين أن نيتي سليمة ولا تهدف إلا إلى كشف الغطاء عن المشكلة الكبيرة دون أي تمويه أو تزويق فأنا ما أزال أعتبر نفسي ابن هذه الجامعة - جامعة دمشق – التي فيها درست ومنها أوفدت وإليها عدت ودرّست ما يزيد عن عقدين حتى تمّ إخراجي منها كما أخرج العديد من خيرة الأساتذة لا لذنب اقترفوه بل لمجرد تقارير دبّجها وخطّها ضعاف النفوس أرادوا أن ينطوا إلى أعلى السلم الجامعي دون أن تكون أية كفاءات علمية ما عدا علاقتهم بفروع الأمن ... أود أن أوضح أنني سبق أن كتبت مقالين يتطرقان للتخلّف الذي طرأ على الجامعة – الجامعات- وسلّمته إلى جريدة تشرين ولم يريا النور ... عاودني الأمل عندما صرّح السيد وزير الإعلام بأن الجرائد صارت مفتوحة للكلمة الحرة الهادفة للبناء وليس للهدم . أبدأ بالقول أن الكيان الجامعي قد تهدّم فعلا وهذا بدأ منذ عدة عقود وبالتحديد منذ استقلال سوريا. مع بداية الاستقلال وبشكل تدريجي وبطيء في البدء ثم بشكل متسارع فيما بعد بدأ كيان الجامعة بالتدهور منذ بدأت الوساطات والمحسوبيات بالتدخل في قبول الطلاب ثم في عددهم الذي أخذ بالتزايد ثم بتعيين المعيدين والمدرسين . في قديم الزمان كان يعيّن المعيد ، وقبله الطبيب الداخلي بالنسبة لكلية الطب ، بحسب علاماته في الفحص وبحسب علاماته في فحص القبول ، وكان الطالب لا يأخذ إلا العلامة التي يستحقها ، لا أكثر ولا أقلّ ، ودون النظر إلى اسمه أو لأسم أبيه أو انتمائه ... أستطيع أن أعطي أمثلة كثيرة عن ذلك الزمان الذي كانت فيه قيمة الطالب بعلمه وبإجاباته في الفحص لاغبر ، وكذلك عضو الهيئة التدريسية ... ثم بدأت الهواتف تهتف، من هنا ومن هناك : فلان هو ابن فلان نجّحوه ! ارفعوا علاماته لكي لا يزعل أبو فلان ... وهكذا بدأ العدّ التنازلي, في البدء كانت الهواتف تأخذ طابع الرجاء المبطّن، ثم صارت الهواتف تأتي من أتباع أصحاب الهواتف، وهكذا صار الطلاب الذين لا يستحقون دخول الجامعة يدخلونها بسحر الهواتف وكذلك صار المقيمون يدخلون بالطريقة نفسها ومعهم المعيدون. أغلب هؤلاء الطلاب كانوا من الفاشلين في الدراسة ولكن نجاحهم كان مضمونا. لا بأس من كشف جزء بسيط من الحقيقة . كنت مسئولا عن فحص مادة التوليد وكنت أحضّر الأسئلة بسرية تامة وأطبعها بنفسي وأودعها في ظرف مختوم وآتي بها في الصباح لتوزيعها على الطلاب في قاعة الفحص. وبدأت الشكوى من بعض الطلاب فما كان من العميد إلا أن طلب مني إيداع الأسئلة في خزانته في العمادة فلم أوافق . في يوم من الأيام ذهبت إلى العمادة لأمر عند العميد ودخلت بسرعة قبل أن ينبهني الآذن إلى من في الداخل. فوجئت بأن العميد كان يجلس على كرسي جانبي وكان بضعة طلاب من أبناء أصحاب الهواتف يجلسون على كرسي العميد وعلى مكتبه وأمامهم أوراق الفحص لإحدى المواد وهم يقلّبونها. كانت مفاجأة للجميع وأسرع العميد والطلاب المدللون إلى لمّ الأوراق وتلبية طلبي وإنهاء زيارتي غير المرتقبة، وهكذا كان من المعروف عن كل الطلاب أن شرذمة من الطلية المدللين يقومون بتغيير علامات الأوراق فيرفعون بعضها ولا يكتفون بذلك بل ويخفضون بعضها الآخر ممن يعتبرونهم من الطلاب الرجعيين أو المشاكسين . من البديهي أن الكثيرين سوف يتنطعون لنفي هذه الحادثة والإدعاء بأنها اختلاق وتلفيق ومحاولة تخريبية . ولكن الحقيقة واضحة ومعروفة من الجميع . ومثل هذه الحادثة كثير جدا . تخرّج هؤلاء الطلاب المدللون وصاروا يريدون أن يكونوا أساتذة المستقبل وباحثيه وعلماءه، فأوفدوا بالألوف إلى جامعة لومومبا في موسكو وغيرها من جامعات الإتحاد السوفييتي ودول الكتلة الشرقية، وهناك أمضى معظمهم أوقاتهم في أماكن اللهو والمرح ثم عادوا مظفرين منتصرين يحملون شهادات "الكانديدات" والدكتوراه وسرعان ما تمّ تعيينهم مدرسين في الجامعات السورية في دمشق وفي المحافظات وهكذا ولدت جامعات فيها أساتذة ليس عندهم من المؤهلات إلا اسمها. سرعان ما سيبدي الكثيرون غضبهم ويدّعون أن هذا افتئات وتهجم على الاتحاد السوفييتي وعلى منظومته الاشتراكية. أسارع بالقول " طوّلوا بالكم " فمن يكتب هذه الأسطر أمضى أيام شبابه ومنذ 1947 في مقرّات حزب البعث ومعظم أصدقائه كانوا من البعثيين والشيوعيين وكاد أكثر من مرة أن يتقدّم بطلب انتساب لأحد هذين الحزبين ولكنه لم يفعل لأنه لم يقتنع ببعض النواحي التنظيرية لكلا الحزبين، ولكنه كان ومازال مؤمنا بضرورة تأمين العدالة الاجتماعية والاقتصادية للإنسان، فلذلك أرفض أي تهجم. أود أن أذكر لكم حادثة ثانية توضيحية. كنت في الهيئة الفاحصة في فترة زمنية ، وفي البداية لم تكن عندي أية فكرة عن الدراسة في الإتحاد السوفييتي ومنظومته، ثم لما كنت أسأل الأطباء المختصين هناك صدمت بأن اكتشفت ضعفا شديدا في أبسط المعلومات النظرية الطبية، ثم كان أن فحصت طبيبا أعرف أنه وأخاه من خلّص الشيوعيين فاكتشفت أنه لا يعرف مبادئ الاختصاص الذي اختص به في بلغاريا. قلت له: بصراحة لن تخرج من هنا إلا بعدما تقول لي الحقيقة: كيف نجحت في دراسة الطب هناك ؟ بعد تردد قال لي : بصراحة كل مادة ندخل فحصها وكانت معظمها شفهية، أحضّر عشر دولارات أمريكية ، نعم عشرة دولارات صنع أمريكا ، فأضعها على الطاولة أمام الأستاذ , يأخذها ثم يسألني سئيلا ، أي تصغير سؤال ، ويودعني بالسلامة وهكذا أنجح وينجح كل زملائي بدون عذاب. من المؤكد أن يسارع الكثيرون للقول ليس كل الأساتذة في الإتحاد السوفييتي ومنظومته مثل هذا الأستاذ في صوفيا عاصمة بلغاريا. هذا ممكن، ولكنني كنت أجد معظم الأطباء على هذه الشاكلة، ولكي أفرح قلب من يتأسى على ما حلّ بالاتحاد السوفييتي أنني في مرة من المرات امتحنت طبيبا درس واختص في بولونيا، نعم بولونيا لقول الحقيقة المجردة، ففوجئت أن معلوماته الطبية جيدة. يشهد الله على صدق قولي أنني سعدت به كثيرا وقلت له: بالله إلا ما قلت لي كيف حصلت هذه المعلومات الجيدة؟ فأكد لي أنه كان يمضّي كل الوقت في الدراسة والمشفى بينما معظم زملائه كانوا يمضون وقتهم في تهريب العملة ( الدولار طبعا) وفي القهاوي وفي ملاحقة البنات ! أستطيع أن أتابع هذه الحكايات إلى ما لانهاية ولكن هذا القدر يكفي. أما بالنسبة لمن يقول أن أساتذة الجامعة لا يترفعّون في مراتبهم إلا بعد تقديم بحث علمي أود أن أذكّر المهتمين بالجامعة أنه كانت هناك مادة تجيز لرئيس الجامعة ترفيع الأستاذ بناء على نشاطه الرياضي ( من الرياضة وليس من الرياضيات ) إذا رأى ذلك، وقد ترفّع بعض من زملائي في الجامعة استنادا على هذه المادة السحرية، ولا أعرف إن كانت ما تزال موجودة أم ألغيت، وطبعا لا ضرورة لإلغائها لأنها مفيدة في بعض حالات المدللين. هناك الكثير للبوح به ولا أدري إن كانت هناك أية فائدة من نكئ هذه الجروح لولا الأمل أن سيأتي يوم يرغب فيه الجميع قول الحقيقة بدون أي تجميل أو "روتورش". هل سوريا مثل غيرها من الدول العربية والصديقة بالنسبة للبحث العلمي ؟ طبعا لا ! سوريا متخلفة كثيرا بالنسبة للبحث العلمي حتى بالنسبة للدول المجاورة الفقيرة. لنأخذ مثلا: الأردن البلد الفقير تصدر منه بحوث طبية ( وأنا أتحدث كطبيب وكأستاذ سابق في كلية طب دمشق التي أكنّ لها كل حب وتقدير وعرفان ) جيدة رغم إمكانيات هذا البلد المحدودة وكذل غيرها من الدول مثل العراق والسعودية ودول الخليج الخ... البحث العلمي لا يستطيع أن يقدّمه من لا يملك القدرات والإمكانات العلمية. إن من الضروري لكل أستاذ في الجامعة أن يكون باحثا وإلا فإنه لا يكون جديرا بأن يدعى أستاذا. الأستاذ الجامعي هو إنسان علم ومعرفة وفكر متفتح وناقد ومناقش لا يهدأ له بال إن لم يناقش كل فكرة وكل نظرية مرارا ومرارا ويتأكد من صحتها ثم يعيد نقدها وتشريحها للتأكد مرارا من أن صحتها ما تزال صامدة للنقد العلمي. لا مسلّمات في العلم ولا حقائق ثابتة وأبدية بل هناك حقائق مقبولة طالما استمرت في تقديم البراهين على صحتها. الأستاذ الجامعي هو من يثير بشكل دائم الأسئلة الكبيرة عن الحقيقة ويدفع تلامذته إلى مناقشة الموضو ع وإثباته أو نفيه ولا يتوقف عن تشجيع طلابه لإبداء أرائهم وتداولها، أما التعليم الببغائي فهذا ليس من سمات الجامعة بل من سمات "الشيخ كتّاب" الذين كانوا يحفّظون تلامذتهم " أبجد هوز " ومن يتجرأ على السؤال لماذا أبجد هوز وليس العكس كان نصيبه ضربة على الرأس من عصا الشيخ الطويلة أو الفلقة بالساطور. الجامعة هي المكان الذي ينمو فيه عقل الإنسان بالمنطق العلمي الصحيح ، بعيدا عن أية اعوجاجات عقلية أو ثوابت صلدة لا تقبل النقد ولا النفي والإثبات. إذا وصلنا إلى إقرار بأن الجامعة – الجامعات – قد بلغت دركا عميقا من التخلّف والتأخر والاهتراء، نستطيع أن نخطو الخطوة الثانية بأن نفتش عن حلّ لهذه المعضلة. ولا توجد أي معضلة لا حلّ لها. مع التمنيات المخلصة للجامعة وللجامعات أن تبلغ شأوا لا يقلّ أبدا عن مشاهير جامعات العالم دون ضرورة لذكر أسماء بعض منها _________________________ فهرس مواضيع الأستاذ الدكتور صادق فرعون
الحقوق محفوظة طبيب الوب 2014 ©
http://tabib-web.eu - http://www.tabib-web.eu